Image placeholder

النفط الرخيص له سلبيّاته وإيجابيّاته بالنسبة إلى تونس ومصر

English»
 

خلال سنوات الفورة النفطيّة التي ميّزت المرحلة السابقة من العقد الحالي، شكّلت زيادة الدعم على البترول في الدول التي تستورده كتونس ومصر ضغطًا مستمرًّا على الميزانيّات، وبالتالي فقد طرح الهبوط في أسعار النفط تحدّيات متباينة بعض الشيء على الشركات المملوكة من الدولة في كلّ من هذين البلدين.

أدّى دعم أسعار النفط والغاز البالغة قيمته 174 مليار دولار في كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى عجوزات حكوميّة وصلت إلى 6.5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلّي. وفي تونس، بلغ عجز الميزانيّة 6.8 بالمئة من إجمالي الناتج المحلّي عام 2013، فيما استحوذ دعم الطاقة على ما يقارب خمس الإنفاق. وارتفع الدين العام إلى 49 بالمئة من إجمالي الناتج المحلّي عام 2014. أمّا في مصر، فالأرقام أكثر إثارةً للقلق: إذ بلغ الإنفاق على الدعم مستوى قياسيًّا وصل إلى 26 بالمئة من النفقات العامّة في فترة 2012 – 2013، ما أدّى بالعجز إلى بلوغ 13% من إجمالي الناتج المحلّي، في حين سجّل الدين العام نسبة 87.4 بالمئة من إجمالي الناتج المحلّي بحلول نهاية العام 2013.

أداء الميزانيّة في تونس 2010 – 2014
بالأزرق: نسبة الدعم في الميزانيّة (بدون خدمة الدين)
بالأحمر: عجز الميزانيّة (%من إجمالي الناتج المحّلي)
بالأخضر: الدين العام (%من إجمالي الناتج المحّلي)


المصدر: وزارة الماليّة والبنك المركزي التونسي

يجدر بالتراجع الّذي بلغ 50% في أسعار النفط منذ حزيران/يونيو 2014 أن يخفّف – على الورق على الأقلّ – من ضغوطات الميزانيّة في البلدان المستوردة كمصر وتونس، عبر تخفيض كلفة الدعم. لكن مثل هذه المكاسب القريبة المدى مهددة بأن تُقابل بنقص في الإيرادات في الميزانيّات الحكوميّة، و/أو إخفاقات في الإنفاق. إلى ذلك، قد تواجه تونس ومصر مخاطر ماليّة جديدة بسبب إنتاجهما المحلّي للنفط، إذا ما واجهت الشركات المملوكة من الدولة ضائقة ماليّة.

الأسعار الفوريّة للنفط الخام، بالدولار الأميركي لكلّ برميل

 

المصدر: أسعار السلع – صندوق النقد الدولي، تمّوز/يوليو 2015.
 
هشاشة وفورات الدعم الأخيرة

في تونس، سبق لأرقام ميزانيّة 2014 أن أظهرت مكاسب من انخفاض أسعار النفط. وتراجع الإنفاق على الدعم بنحو 25% منذ 2013. (يُلاحظ أنّ قانون ميزانيّة تونس لعام 2015 يفترض سعر 95 دولار أميركي لبرميل النفط. وهذا أعلى بكثير من السعر الحالي).

ومن المتوقّع أن ينخفض العجز في تونس بنسبة 2% من إجمالي الناتج المحلّي على الأقلّ، إذا ما وصل متوسّط سعر برميل النفط إلى 65$ (علمًا أنّه قد استقرّ على 60$ منذ الربع الثاني من 2015). ويُتوقّع أن يصل صافي الوفورات من التراجع الاجمالي في سعر النفط إلى 48 مليون دولار؛ لأنّ انخفاض الإنفاق على دعم الطاقة يفوق خسائر الإيرادات الناشئة عن تدّني إتاوات الإنتاج في تونس.

أمّا في مصر، فيسجّل التخفيف من الدعم على الوقود نتائج مختلفة بعض الشيء. فقد توقّع البنك الدولي أن ينخفض الإنفاق على دعم الوقود بنسبة نحو 25% (0.5% من إجمالي الناتج المحلّي) سنويًّا، ويُعدّ ذلك غوثًا، إن لن نقل نعمةً، لبلد يسجّل عجزًا كبيرًا جدًّا في الميزانيّة. ولكن، على الرغم من اقتطاع الإنفاق على دعم البترول بحوالي النصف، تشير بيانات وزارة الماليّة المصريّة إلى ارتفاع في العجز بنسبة 1.8 بالمئة من إجمالي الناتج المحلّي. فالنفقات العامّة قد ارتفعت، بسببٍ من ارتفاع الأجور، كما من الاستثمارات والإنفاق الاجتماعي وإن بدرجة أقلّ بكثير. 

ويُتوقّع لتونس أن تستفيد من انخفاض أسعار النفط على المدى القصير. غير أنّ مثال مصر يبيّن أنّه على الحكومات أن تبقي على دعم الطاقة بغية تشجيع الإنفاق على الاستثمار والبرامج الاجتماعيّة المحدّدة الأهداف، وتحفيز الاقتصاد، والحدّ من أوجه عدم المساواة.

وفي تمّوز/يوليو 2014، قامت الحكومة المصريّة بشكل غير متوقّع بزيادة الأسعار على معظم منتجات البترول، إلاّ أنّ عمليّة سحب الدعم لا زالت طويلة. وتحيط الشكوك أيضًا بقدرة الحكومة على ترجمة الوفورات إلى مكاسب فعليّة. كذلك، يُعدّ إعلان تونس عن زيادة أسعار الوقود في أيّار/مايو 2014 بمجرّد 6% مؤشّرًا على تخوّف الحكومة من المقاومة الشعبيّة المتوقّعة إذا ما تمّ رفع الدعم. إلاّ أنّ قرار الحكومة قد سرّعه إفراج صندوق النقد الدولي عن قرض بقيمة 217 مليون دولار رهنًا بإبقاء العجز تحت السيطرة.

الالتزامات المشروطة من شأنها إضعاف الماليّة العامّة

في القطاع الخاص، تتصدّر كفاءة الكلفة وتحقيق الفاعليّة القصوى قائمة الأولويّات لدى الشركات في السياقات النفطية التي تشهد تراجعًا. غير أنّ الشركات المملوكة من الدولة أقلّ استعدادًا للصمود في وجه العاصفة. وهي تميل لأنّ تكون أقلّ كفاءة، وإلى التمتّع بقدرة أدنى على درّ الإيرادات من إنتاجها. وهي تفتقر إلى الاستثمارات الطويلة الأمد، وتتكبّد تكاليف أعلى لليد العاملة، وتلتزم بنفقات شبه ماليّة – على غرار توفير الخدمات الاجتماعيّة أو الدعم، ما يعيق قدرتها على الاستجابة للصدمات السعريّة السلبيّة.

تُعدّ شركة النفط الوطنيّة التونسيّة، التي يُطلق عليها اسم المؤسسة التونسيّة للأنشطة البتروليّة، اللاعب الأساس في قطاع المحروقات في البلاد، وهي تحوّل إيراداتها في العادة إلى الخزينة. ولكن، ما من قواعد تنصّ على الجزء الّذي يتعيّن على الشركة تحويله أو إعادة استثماره. فالمبلغ المحوّل يتوقّف على الأولويّات الماليّة للحكومة، بما فيها البرنامج الاستثماري للشركة. وتُعتبر الدولة ضامنة لدَين الشركة.

وبحسب حساباتي، وباستخدام بيانات المؤسّسة ووزارة الماليّة لعام 2012، بلغت إيرادات الحكومة من قطاع النفط 8.6% من إجمالي الإيرادات، وقد أتت المساهمة الأكبر من ضريبة الدخل الّتي وفّرت المؤسّسة أكثر من نصفها. عام 2012، حقّقت الشركة أرباحًا بقيمة 346 مليون دولار، ما خفّف من أثر الأنشطة الخاسرة المتّصلة ببيع المنتجات المدعومة. وفي المجمل، كان الوضع النقدي الصافي لدى الشركة إيجابيًّا. غير أنّ ذلك لم يكن كافيًا لتمويل الاستثمار، الّذي كان شديد الاعتماد على الدولة. وبحلول نهاية العام 2012، بلغت قروض المؤسّسة (باستثناء تلك المأخوذة من الدولة) 191 مليون دولار. وإذ ترتبط الربحيّة ارتباطًا وثيقًا بأسعار النفط، فإنّ أيّ تراجع في السعر سيضرّ بالوضع المالي للمؤسّسة. ويطرح ذلك خطر الالتزامات المشروطة للدولة – إذ يُتوقّع أن تفرج الشركة عن نحو 321 مليون دولار من النفقات الاستثماريّة المميزنة خلال العامين المقبلين.

ويمكن القول إنّ وضع مصر أكثر عسرًا. فدين الهيئة المصريّة العامّة للبترول مرتفع جدًّا، إذ يُقدّر الدين القائم بـ7.5 مليار دولار (حتّى حزيران/يونيو 2014)، فيما تتسّم الماليّة العامّة بالإبهام. (رغم ذلك شكّلت مساهمة الشركة في الخزينة 15% من إيرادات الدولة و38% من إيرادات الضريبة على الدخل). وتُمعن أسعار النفط المتدنية في تقويض الشركة. فحتّى في سنوات الفورة، كانت الشركة تكافح لتغطّي تكاليف التشغيل عند انخفاض الإنتاج، بسبب التراجع المستمرّ في التنقيب والاكتشاف. وقد أعلنت الحكومة مؤخّرًا عن مشاريع كبرى في قطاع الطاقة، تتّصل على وجه الخصوص بتسريع تطوير حقول الغاز الموجودة، وباستثمارات بقيمة 12.2 مليار دولار لعمليّات تنقيب جديدة. وفي هذا الصدد، تُعتبر مشاريع التمويل الملائمة وزيادة الكفاءة أساسًا للحدّ من التعرّض.

على الشركات المملوكة من الدولة تفادي العثرات الماليّة في ظلّ انخفاض الأسعار

يتعيّن على حكومتي مصر وتونس، كما على حكومات بلدان أخرى كثيرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إعادة التفكير في استراتيجيّتها لقطاع النفط والغاز، إذ يبدو أن الأسعار المنخفضة قد تحوّلت إلى واقعٍ جديد. بالتالي، يجب على السياسات أن تسعى إلى الحفاظ على المكاسب المتأتية عن تخفيض دعم الطاقة وزيادته تدريجيًّا.

ومن شأن احتواء الأنشطة شبه الماليّة للشركات المملوكة من الدولة، مثل تمويل الدعم غير المباشر، أن يزيد من سيولة وضعها المالي، كمنح المؤسسة التونسيّة للأنشطة البتروليّة مثلاً القدرة على الاستجابة بشكل أكثر فاعليّة للاحتياجات الاستثماريّة. ولا بدّ من توجيه السياسات نحو تحسين البيئة الممكّنة لمبادرات الشراكة الخاصّة العامّة، وذلك لزيادة الاستثمار في المساحة. إلى ذلك، فسيقلّ ميل الحكومات إلى التفاوض على شروط تعاقديّة جديدة لجذب المستثمرين، ما سيخفّف الضغط المالي على الشركات المملوكة من الدولة. ولا بدّ لأيّ عمليّة إصلاح أن تتضمّن في صلبها آليّات تضمن أنّ البلد يمكنه الاستفادة بشكل عادل من المنافع المتأتّية عن أيّ قفزة محتملة للأسعار، في مواجهة المستثمر الأجنبي.

ندين أبو خالد هي محلّلة اقتصاديّة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى معهد حوكمة الموارد الطبيعيّة. وتودّ أن تشكر توماس لاسورد، المحلّل الاقتصادي لدى المعهد، على ملاحظاته القيّمة.