Image placeholder

تشاطر المعلومات النفطيّة في تونس: البيانات المفتوحة تتّصل بالبشر أكثر منها بالتكنولوجيا

English»

تشرّفت مؤخّرًا بالعمل مع مسؤولين في الحكومة التونسيّة لإعداد بوّابة البيانات المفتوحة المتركّزة على صناعة النفط والغاز في البلاد، وذلك بصفتي مستشارًا لدى معهد حوكمة الموارد الطبيعيّة. ومن المزمع حاليًّا إطلاق البوّابة الشهر القادم.

خلال رحلتي الوجيزة إلى تونس، تعلّمت ثلاث دروس أساسيّة أدلي بها فيما يلي:

•       باستطاعة الحكومة، لا بل من واجبها أن تشكّل شريكًا أساسيًّا في الحلول: في مضمار العمل المتّصل بالحوكمة والشفافية، يسهل الانجرار إلى ذهنيّة اعتبار الحكومة دائمًا جزءًا من المشكلة. إلاّ أنّ جهود وزارة المناجم والطاقة التونسيّة لإنشاء بوّابة بيانات مفتوحة على الإنترنت لجديرة بالثناء والدعم.
•       العمل على البيانات المفتوحة لا يتعلّق بالمسائل التقنيّة لتكنولوجيا المعلومات إلاّ في جزء ضئيل منه: المسائل الأكبر تتعلّق بالبشر: فمن هم الأشخاص الّذين نحاول الوصول إليهم ولأيّ غرض؟
•       البيانات المفتوحة والشفافية بشكل أعمّ هما عمليّتان طويلتا الأمد – وإن قزّمتهما مرارًا كثيرة الموجات العارمة للرأي العام والنزاعات التجاريّة والخلافات السياسيّة الداخليّة.

يتمثّل السياق العام لعملي في تونس العاصمة في انضمام البلاد إلى شراكة الحكومة المفتوحة عام 2013، وتعهّدها بإنشاء بوّابة بيانات مفتوحة لصناعة النفط. ورغم أنّ الصناعة النفطيّة التونسيّة لا تُعدّ كبيرة من الناحية الماليّة – إذ لا يتعدّى إنتاجها حوالى 60 ألف برميل في اليوم – تبقى قطاعًا أساسيًّا في البلاد ولطالما حظيت ببروز إعلامي واسع.

وقد بلغ الأمر ذروته في الواقع في أيّار/مايو الماضي، قُبيل زيارتي، مع الانتشار الواسع لحملة سُمّيت بـ"وينو البترول" على تويتر. وبحسب محلّل محلّي، وصلت الحملة إلى شبكات اجتماعيّة تضمّ 3 ملايين شخصًا، أي أكثر من ربع عدد السكّان. ومن بين مزاعم مطلقي الحملة الّذين نشطوا بشكل مستمرّ في تونس منذ الربيع العربي عام 2011 أنّ البلاد تزخر بلا شكّ باحتياطات نفطيّة هائلة غير معلنة، لمجرّد أنّها تقع بين عملاقين من منظّمة الأوبك هما ليبيا والجزائر.

وردًّا على ذلك، أعلن وزير الطاقة والمناجم والصناعة زكريّا حمد في مطلع حزيران/يونيو أنّ البوّابة ستكون جاهزة بحلول نهاية الشهر، بدلاً من الموعد السابق المقرّر في منتصف 2016. وباتت الوزارة فجأةً، وبقيادة وكيلها قيس المجري، تحت الضغط. (وللأسف فإنّ كلّ ذلك مع أجزاء أخرى كبيرة من الحياة العامّة في تونس قد هُمش اليوم نتيجة للهجمات الإرهابيّة الأخيرة في سوسة، وحالة الطوارئ الناشئة عنها).

كان الفريق التقني قد ركّب وكوّن نسخة من CKAN، وهي منصّة بيانات مفتوحة شكّلتها مؤسّسة المعرفة المفتوحة، لكنّ أعضاء الفريق كانوا قلقين حيال قدرة النظام على تحمّل وابل الزيارات المحتملة بعد الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت لديهم سلسلة من الاستفسارات الفنيّة المعقّدة، حول مسائل شتّى منها توافق النُسخ المختلفة للبرنامج الأساسي مع الإضافات المختلفة، وكيفيّة تحقيق المستوى الأمثل من الأداء والأمن. وقد بذلنا قصارى جهودنا، محوّلين هذه الطلبات مباشرةً إلى فريق مطوّري البرامج لدى مؤسّسة المعرفة المفتوحة في لندن، من خلال اتّصالات مشوّقة أُجرِيت بلغات متعدّدة عبر سكايب.

وكانت المسائل الأساسيّة تكمن فيما يلي: ما هي القرارات السياساتيّة الّتي تتكلّم عنها الحكومة، وأيّ بيانات ينبغي أو لا ينبغي نشرها، وما هي الوكالات الحكوميّة الّتي تحتفظ بالبيانات الّتي يحتاجونها، والأهمّ – ما هي النتائج المنطقيّة الّتي يمكن توقّعها بعد الإطلاق؟

بدا الموقع جيّدًا، مع أكثر من 50 مجموعة بيانات تتضمّن أرقام الإنتاج لكلّ من الحقول، وسجلّ عقاري لتوزيع الرقع مكمّل بإحداثيّات جغرافيّة مكانيّة.  غير أنّ غياب العقود، التي يُعتبر نشرها عنصر أساسي من الشفافية في القطاع الاستخراجي، كان ملحوظًا. وأثبت الجدل حول السبب في ذلك مرّة جديدة أنّ الشيطان يكمن دائمًا في التفاصيل في جميع النقاشات حول الشفافيّة. وزعم بعض المسؤولين بكلّ ثقةٍ أنّ النصّ الكامل للعقود كان ليشكّل في أيّ حال تكرارًا، لأنّ أنظمة المحروقات لعام 1999 حدّدت معظم الشروط التعاقديّة الأساسيّة، كما أنّ الموجزات حول إنتاج الرقع المنشورة على البوابّة، والّتي تورد كميّات الإنتاج وحصص الأرباح بين الشركات – توفّر المعلومات اللازمة لتوضيح الرؤية. لكنّ الأمر ليس كذلك: فمعظم الإنتاج الحالي لتونس تحكمها عقود سابقة لتاريخ صدور القانون، وهي بالتالي لا تخضع له، ما يصعّب تكوين فكرة شاملة عن النظام أكثر من أي وقت مضى.

وكما هي الحال في معظم البلدان، تتوزّع مسؤوليّة جمع المعلومات على هيئات شتّى. فإلى جانب وزارة المناجم، ثمّة شركة النفط الوطنيّة أي المؤسسة التونسيّة للأنشطة البتروليّة التي تحتفظ بالعقود، ووزارة الماليّة الّتي تجمع الإيرادات، وغيرها من الوكالات. وقد قامت وزارة الصناعة التي تقود هذا المسار أكبر عدد من مجموعات البيانات، ولكن من الواضح أنّ نقاشًا واسعًا لا يزال جاريًا ضمن الحكومة التونسيّة، التي لا تتمتّع بما يكفي من الحيلة لاختيار البيانات التي يجب نشرها. وتتطلّب صيانة البوابّة أيضًا وتوسيعها الكثير من العمل الّذي قد يتعرّض للإهمال نظرًا لكثرة الوكالات المعنيّة بهذا العمليّة.

إلى ذلك، تشير تجارب بوّابات الحكومة المفتوحة في بلدان أكثر تقدّمًا أنّ الاستيعاب بطيء في أحسن الحالات. فالحركة على البوّابة الّتي أنشأتها المملكة المتّحدة على سبيل المثال لا تزال متواضعة بعد 5 سنوات على إطلاقها، كما هي الحال أيضًا في غانا، الّتي تُعتبر نموذجًا يُحتذى في السياق الإفريقي، علمًا أن كلا البوّابتين تحتويان على كميّة من المعلومات أكبر بكثير من البوّابة التونسيّة. فأكثر مجموعات البيانات الّتي يتمّ تنزيلها على هذه المواقع تغطّي نواحٍ من الحياة العامّة موزّعة بشكل جغرافي-مكاني، مثل حوادث السير أو التوفّر المحلّي للخدمات الصحيّة، والشواغل المتّصلة بصنع القرار الّتي يهتم بها المواطن العادي مباشرةً. أمّا تونس فتنطلق من موقع أكثر تواضعًا: إذ تغطّي البوّابة قطاعًا اقتصاديًّا واحدًا فقط، وبعض العشرات من مجموعات البيانات، في قطاع لا يتفاعل معه معظم المواطنين بشكل مباشر – رغم محاولات منظّمات المجتمع المدني للدفع باتّجاه تغيير هذا الوضع.

جوني وست هو مؤسس أوبن أويل  OpenOil.