Image placeholder

تونس تنخرط في التوجه العالمي الجديد المتعلق بنشر العقود

For an English version of this blog, please click here.

قامت تونس باتخاذ خطوة هامة في اتجاه اضفاء مزيد من الشفافية على التصرف في قطاع الصناعات الاستخراجية وذلك من خلال نشر ما يزيد عن 50 عقد نفط يهم البلاد وذلك ضمن قاعدة البيانات المفتوحة لوزارة الطاقة والمناجم. و قد أعلن السيد منجي مرزوق وزير الطاقة والمناجم أن عملية النشر تشكل مكسبًا على درب حوكمة القطاع وذلك خلال الندوة الصحفية التي انعقدت يوم 14 جوان 2016.
 
 تمثل هذه الخطوة مواصلة لجملة التعهدات الحكومية الصادرة في هذا الصدد، على غرار التصريح الذي ادلى به السيد منجي مرزوق خلال شهر افريل  {انظر للدقيقة 16 و 35 ثانية من الحوار} فضلا على  اعلان التعهدات  خلال قمة مكافحة الفساد في لندن التي حضرها مؤخرًا السيد وزير الحوكمة  كمال العيادي الذي صرح  ان البلاد في خطواتها الاخيرة للامتثال لمبادئ التعاقد المفتوح.
 
 التحقت تونس بذلك الى التوجه العالمي الجديد المتعلق بشفافية العقود. وانضمت الى قائمة الدول المتألفة من اكثر من 25 بلد التي قامت بنشر كل أو بعض عقودها النفطية. وتعد هذه العملية بالغة الاهمية باعتبارها ستخول النفاذ للعقود، وبالتالي ستمكن المواطنين من تحليل القواعد التي تنطبق على استخراج الموارد الطبيعية التي هي ملك المواطنين {طبقا لمقتضيات الفصل 13 من الدستور}.
 
ستساعد عملية نشر العقود في تونس على استعادة الثقة وتجنب المواجهات الشبيهة بتلك التي شهدتها البلاد خلال  حملة "وينو البترول" سنة  2015 ، ناهيك وأن نشر العقود على غرار الاتفاقيات الخاصة  من شأنه ان يبرهن على احترام  العقود الحالية لمقتضيات مجلة المحروقات والاتفاقية النموذجية. بناء على ذلك، ستفضي عملية النشر الى تبديد الشائعات المتعلقة بالعقود السرية ومخالفتها للقانون.
 
الحكومة تستجيب لمطالب المجتمع المدني    
 
يمكن اعتبار التصريحات الحكومية المتعلقة بمساندة شفافية العقود، على الاقل في جزء منها، استجابة لدعوات المجتمع المدني المتعلقة  بتفعيل عملية النشر. حيث انطلقت حملات المناصرة التي اطلقتها  الجمعيات التونسية  عبر محاولات ادراج احكام تهم نشر العقود ضمن دستور 2014، لكن باءت هذه المحاولات  بالفشل.
 
 مثّل انضمام تونس لمبادرة شراكة الحكومة المفتوحة فرصىة ثانية استغلها المجتمع المدني للمطالبة بنشرالعقود، وقد كلّلت مجهوداته هذه المرة بالنجاح. اذ تضمنت خطة العمل  الوطنية لفترة  2014-2016 البند 18 الذي يدعو الى نشر جمع المعطيات المتعلقة بالعقود ضمن قاعدة بيانات مفتوحة. تم وضع قاعدة البيانات المفتوحة الصيف الماضي بيد أنها لم تحتوي على أية عقود مما دفع المجتمع المدني الى مضاعفة الجهود من أجل المطالبة بالافصاح  .
 
في هذا الاطار، نظم معهد حوكمة الموارد الطبيعية ورشات عمل استهدفت اكثر من 16 جمعية من مختلف الجهات، و يأتي ذلك كجزء من مختلف انشطة المعهد مع المجتمع المدني التونسي الرامية الى بناء قدراته في مختلف المجالات المتعلقة بحوكمة الموارد الطبيعية .
 
و قد تم خلال هذه الورشات التطرق الى المسائل المتعلقة بمختلف اصناف العقود الاستخراجية التونسية، والمزايا والاشكاليات المتعلقة بالافصاح فضلا عن اثارة مسائل اخرى تتعلق بعلاقة الاطار القانوني الجديد للنفاذ للمعلومة بعملية الافصاح وبالتجارب الدولية المقارنة فيما يخص نشر العقود.
 
هذا وقد ضمت هيئة مكافحة الفساد صوتها الى مجمل الدعوات الرامية الى نشر العقود، حيث أعرب رئيس الهيئة السيد شوقي الطبيب خلال تصريح عقب ندوة انعقدت يوم 21 افريل عن تخوف الحاضرين من غياب ارادة حقيقية من جانب وزارة الطاقة الى حد اللحظة في نشر العقود.
 
بالتوازي مع ذلك، كانت الحكومة التونسية بصدد البحث عن تعزيز معارفها حول التجارب الدولية المقارنة فيما يهم نشر العقود، لا سيما المسائل المتعلقة ببنود السرية والكشف عن "المعلومات الحسّاسة". و قد اتصلت كل من  وزارة الطاقة والمناجم والمصالح القانونية برئاسة الحكومة  بمعهد حوكمة الموارد الطبيعية قصد عقد حوار حول مسألة نشر العقود النفطية .وبالفعل، تولت الاطراف المتدخلة في الموضوع من وزارات معنية وممثلين عن المجتمع المدني وهيئة مكافحة الفساد والمؤسسة الوطنية وأعضاء مجلس نواب الشعب مناقشة موضوع الافصاح في اطار مائدة مستديرة ساعد معهد حوكمة الموارد الطبيعية على تنظيمها. وبقصد اثراء الحوار، قام المعهد باعداد دليل موجز حول الخطوات والاعتبارات التي يتعين الاخذ بها في اتجاه احراز تقدم على مستوى نشر العقود وذلك على ضوء التجارب الدولية من جهة وخصوصية السياق التونسي من جهة اخرى.
 
الخطوات التالية: ما بعد نشر العقود
 
حري بنا  في البداية الثناء على اقدام الحكومة  على نشر مجموعة اولى من العقود البترولية . الى جانب  التوجه المذكور سلفًا نحو نشر العقود النفطية ، هناك خطوات اخرى ترمي الى تعزيز حوكمة الموارد الطبيعية تستحق التشجيع، وتتمثل في مشاركة ممثل عن وزارة الطاقة والمناجم في المؤتمر العام لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية الذي انعقد خلال شهر افريل 2016، و يضاف الى ذلك اعلان تونس عن عميق اهتمامها بتطبيق مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية خلال مؤتمرمكافحة الفساد  في لندن .حيث تمت الاشارة الى الامتثال لمعيار مبادرة الشفافية ضمن التصريح الخاص بتونس في اطار قمة مكافحة الفساد. هذا وقد تم احراز مزيد من التقدم على هذا الصعيد تجلى ضمن المؤتمر الصحفي الذي انعقد يوم 14 جوان 2016 حيث  أقرت الاطارات العليا لوزارة الطاقة والمناجم  بأن معيار مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية بوصفه جزءًا من استراتيجية الوزارة المتعلقة بالحوكمة سيدرج بخطة العمل المقبلة لشراكة الحكومة المفتوحة للفترة 2016-2018.
 
يتجه الاقرار في نفس الوقت بأن هناك مزيد من المسائل المتبقية التي ينبغي القيام بها من بينها  تلك التي تتعلق بشفافية العقود. اذ أرست مجلة المحروقات على سبيل المثال، كما تم بيانه ضمن الدليل المشار اليه أعلاه الذي أعده المعهد، مستويين من العقود بالنسبة لكل مشروع : الاتفاقية الخاصة وعقد آخر يبرم بين الشركة المستثمرة والمؤسسة الوطنية والذي يمكن ان يكون في شكل عقد تقاسم  انتاج او عقد مشاركة .وتجدر الاشارة الى ان عملية النشر الحالية اقتصرت على الاتفاقيات الخاصة {نتفهم ان الحكومة تعتزم نشر المستوى الثاني من العقود في المستقبل  القريب}.
 
علاوة على ذلك، ينبغي ان تكون المعلومة قابلة للفهم والاستعمال من قبل مختلف المتدخلين في القطاع حتى تكون الشفافية فعلية وتساهم تبعًا لذلك في تعزيز حوكمة القطاع. ويتطلب هذا أن تمتلك الاطراف التي تلعب دور الرقابة على غرار البرلمانيين والمجتمع المدني  و الاعلام الامكانيات والوسائل اللازمة للقيام بتحليل ومراقبة العقود بطريقة مسؤولة.
 
في النهاية، تكتسي مسألة ادراج احكام تهم الشفافية {على غرار النشر} في الاطار القانوني المنظم للصناعات الاستخراجية أهمية بالغة. حيث من شأن هذه التدابير ان لا تجعل مسألة النشر مرتبطة بسياقات ظرفية مردها ميل وزير معين للشفافية. لذلك يتعين هيكلة عملية النشر بشكل يجعلها تستجيب للمتطلبات الدستورية المتعلقة بالشفافية .
 
 
وسام الهاني مسؤول عن برنامج تونس بمعهد حوكمة الموارد الطبيعية و امير شافئي محلل قانوني سامي بمعهد حوكمة الموارد الطبيعية 

Authors