Image placeholder

تحتاج الجزائر الى طروحات جديدة وليس الى مجرّد إعفاءات ضريبية على مشاريع النفط

English »

تواجه الجزائر التي هي أحد أكبر الدول المنتجة للنفط والغاز في شمال إفريقيا تحديات اقتصادية خطيرة كانت قائمة حتى قبل جائحة كوفيد-19. ففي العام 2020، ولتغطية النفقات وتحقيق التوازن في الموازنة العامة، كانت الجزائر بحاجة لأن يكون السعر الأدنى لبرميل النفط 92 دولارًا أميركيًا. وحتى قبل الانخفاض الحاد في أسعار النفط في بداية العام، كان سعر "التعادل المالي" هذا غير مقبول، حيث بلغ العجز في الموازنة الجزائرية 9.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، مع توقعات بأن يبلغ 10.4٪ في 2020.
 
تمددت الجائحة وانخفض سعر النفط من 60 دولارًا للبرميل الواحد في كانون الأول/ ديسمبر 2019 إلى 20 دولارًا فقط للبرميل الواحد في نيسان/ أبريل 2020، بعد أن تراوح بين 40 دولارًا و43 دولارًا، كما الحال الآن. صحيح أن معظم الدول المنتجة للنفط والغاز تعاني من انخفاض الأسعار، لكن تفاقمت حدّة الوضع في الجزائر مع الحالة السياسية الهشة التي تشهدها الحكومة الجديدة بعد الإطاحة بنظام بوتفليقة في عام 2019.

معرف الصورة: DS-MA093 البنك الدولي 

مع نضوب المدخرات المتبقية في صندوق استقرار النفط في البلاد، لم يكن أمام المسؤولين الجزائريين خيار سوى خفض الإنفاق، غير أنّ الحكومة المشكَّلة حديثًا لم تشأ العودة عن الإصلاحات التي وعدت بها. ومع تراجع أسعار النفط، أعلنت الحكومة عن خفض الإنفاق على السلع والخدمات، مع الامتناع عن المسّ بالأجور والمعاشات التقاعدية والإنفاق المتعلق بالصحة والتعليم. بالإضافة إلى ذلك، طلبت الحكومة من شركة النفط الوطنية سوناطراك خفض نفقاتها التشغيلية والرأسمالية إلى النصف، وتجميد معظم المشاريع الجديدة، مثل مشاريع البتروكيماويات والمصافي وأعمال الحفر الجديدة والصيانة.
 
غير أنّ هذه الإجراءات لن تحل مشاكل الجزائر الاقتصادية على المدى القصير أو الطويل. فعلى الرغم من سعر النفط المنخفض حالياً، لا زالت الحكومة تعتبر أنّ إنتاج النفط والغاز هو مفتاح المستقبل الاقتصادي للبلاد. وكانت الحكومة في 2019 قد اقرت قانون جديد للنفط والغاز مع ادخال حوافز جديدة للشركات العالمية لكي تتشجع على الاستثمار في البلاد. وهذا القانون بحاجة للمراسيم التطبيقية ليكون نافذًا.  ولكن في الوضع الحالي، ، قد تعيد الحكومة الاستثمار في حقول النفط الليبية التابعة لها حيث أصبح من الممكن استئناف الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، تخطّط سوناطراك لتوسيع وتنويع محفظة تصدير الغاز. ولدى الجزائر أيضاً العديد من مشاريع النفط والغاز المحتملة على أراضيها، لكن قسماً كبيراً منها غير مُجدٍ اقتصاديًا في الوقت الحالي. وفي محاولةٍ لجعلها مجدية، يتحول النقاش في العادة إلى الضرائب التي تدفعها الشركات. فكون الضرائب والإتاوات التي تدفعها الشركات للحكومات غالبًا ما تتجاوز تكاليف تشغيل المشروع، تُمارس ضغوطات على الحكومات لخفض الضرائب. في الواقع، يجب على حكومات مثل الجزائر تحديد المشاريع التي قد تصبح مجدية بضرائب أقل ولا تحتاج إلى إعفاء ضريبي.

في دراسة جديدة عنوانها "سباق إلى القاع والعودة إلى القمة: فرض الضرائب على النفط والغاز أثناء الجائحة وبعدها"، عمد زملائي في معهد حوكمة الموارد الطبيعية الى تسليط الضوء على المخاطر التي تواجه منتجي النفط والغاز عند السعي لتحفيز الإنتاج من خلال الإعفاءات الضريبية. هذا التقرير الذي يستخدم بيانات صادرة عن خبراء الطاقة في الشركة الاستشارية Rystad Energy ، يسلّط الضوء على التحديات التي تواجهها الجزائر في حقول النفط التي تمّ اكتشافها ولم يتم تطويرها. ويوضح منحنى التكلفة في الشكل أدناه أسعار التعادل ومستويات الإنتاج اليومية المتوقعة لمشاريع النفط والغاز التي يتوقع المحللون في Rystad Energy أن يتم تطويرها على مدى السنوات الخمس المقبلة.



تسجّل المشاريع الموجودة عند أقصى اليسار الكلفة الأدنى. قد يتوقع مسؤول حكومي في الجزائر أن تكون هذه المشاريع في أمان إذ لن يحتاج المستثمرون الى إعفاءات ضريبية لجعل المشاريع متوازنة. أما المشاريع الموجودة في أقصى اليمين – ذات التكاليف الإنتاجية الأعلى – فهي معرّضة أكثر لخطر تأجيلها أو حتى إلغائها. والتخفيض الكبير في الضرائب وحده سيجعل المشاريع جذابة للمستثمرين. وقد تكون الإعفاءات الضريبية المطلوبة لهذه المشاريع كبيرة لدرجة أن الحكومة قد تستنتج أنها لا تستحق العناء، كونها لن تُدرّ سوى القليل من الإيرادات للحكومة.
 
قد يميل المسؤولون الحكوميون أكثر نحو تقديم إعفاءات ضريبية على المشاريع الموجودة في وسط منحنى التكلفة، لاسيما أن تغييرًا بسيطًا في الضرائب قد يجعل المشروع مُجدياً. تقديم الإعفاءات الضريبية للشركات من أجل تحفيز إنتاج جديد استراتيجية خطيرة بالنسبة الى الجزائر. ولا ينبغي أن تعمد الحكومة فقط الى تقييم معدلات الضرائب على المدى القصير، بل يجب أن تنظر الى مستقبل الطاقة حيث متوقع ان ينخفض ​​الطلب على النفط وحيث يُتوقّع أن تبقى الأسعار منخفضة. يمكن للجزائر تقديم إعفاءات ضريبية للمساعدة في تطوير المشاريع، لكن من المهم إزالة هذه الإعفاءات الضريبية إذا ارتفعت الأسعار والأرباح مجدداً. قد يساعد استخدام بنود انقضاء الوقت التي تضمن تنشيط الإعفاءات الضريبية فقط عند الحاجة. ولكن يُستحسن وجود نظام ضريبي تصاعدي يستجيب تلقائيًا للتغيرات في الأرباح.



تحتاج الجزائر إلى عائدات من قطاع النفط والغاز، ولا يمكنها تحمّل تأخير المشاريع. كما يتزايد الطلب المحلي على الطاقة ، وقد تواجه الجزائر أزمة حيث ستحتاج إلى شراء الغاز للاستهلاك الداخلي. علاوة على ذلك، ومنذ أزمة أسعار النفط عام 2014، تعذّر على الحكومة ادّخار الأموال في صندوق الثروة السيادي أو تلبية المطالب الاجتماعية المتزايدة للحصول على الطاقة. وهذا ما يجب ان يفرض على الجزائر التفكير الاستراتيجي بمستقبل البلاد ومصادر المداخيل بعيدة عن الطاقة، ربما.

تدمّر جائحة كوفيد-19 الاقتصادات على المستوى العالمي، لكنها تعجّل أيضًا من التحول الى مصادر الطاقة المتجددة التي تشتد الحاجة إليها عالمياً. وبالنسبة للحكومة الجديدة، ستكون هذه لحظة محورية لإخراج الجزائر من هذه الأزمة والاستعداد للتحوّل في مجال الطاقة.

يجب على القيادة الجزائرية الجديدة مراعاة الاستدامة طويلة الأمد للاقتصاد الجزائري واعتبار مشاريع الطاقة المتجددة من الاولويات حتي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والمضي في مشاريع الاستثمارات في الطاقة المتجددة في اسرع وقت لتلبية احتياجات البلاد المتزايدة من الطاقة المحلية. ولن يساعد تطوير قطاع الطاقة المتجددة على تنويع الاقتصاد فحسب، بل هو قادر أيضًا على فتح المجال لتصدير إمدادات الغاز المستهلكة محليًا حاليًا. ومن شأن ذلك أن يولّد الإيرادات اللازمة لتنويع الاقتصاد أكثر، وفي نهاية المطاف إنهاء اعتماد البلاد غير المستدام على النفط والغاز.
 
لوري هايتيان هي مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

Authors