بناء مستقبل أخضر ومستدام للجميع
مؤخرًا برزت أهمية الحوار العالمي حول المناخ والطاقة والنوع الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى. في حين أن الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر ومنخفض الكربون يحمل وعودًا كبيرة، إلا أنه ينطوي أيضًا على مخاطر متأصلة في التخلي عن الفئات المهمشة وتأثرها بشكل غير متناسب. فخلال هذا الانتقال، تواجه النساء تحديات متزايدة ، خاصة اللواتي يعانين من التمييز الجندري القائم في فرص العمل، والحماية الاجتماعية، والأجور، وظروف العمل، وأدوار صنع القرار، . لذلك، من الضروري تبني خطة تعافي عادلة وشاملة تحمي النساء من هذا التمييز .
وإذ تقوم الحكومات بإعطاء الأولوية لنماذج أكثر استدامة استجابة لتغير المناخ، يكتسب مفهوم الانتقال العادل أهمية متزايدة. ومع ذلك، فإن الاشكاليات الخاصة بالنوع الاجتماعي في هذا الانتقال لم يتم فهمها أو الاعتراف بها بشكل كامل بعد. يبحث هذا المقال في إمكانية أن يعود النهج الشامل للاستدامة بالفائدة على جميع أفراد المجتمع، وخاصة النساء والمجتمعات المهمشة، مع التركيز بشكل خاص على سياق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحديدًا لبنان.
إنَّ الانتقال العادل، في جوهره، هو أكثر من مجرد تطوير الاقتصاد الأخضر؛ فهو يشير إلى الشمول غير التمييزي لجميع المجتمعات، والعمال، والفئات الاجتماعية في عملية التغيير. ومع انتقال العالم من الصناعات القائمة على الكربون إلى الصناعات الخضراء، يجب أن يكون المستقبل الذي نتصوره مستندًا إلى الواقع الحالي، خاصة واقع الفئات المهمشة والمحرومة. يجب على الحكومات والمنظمات وقادة الصناعة ليس فقط تجنب ترك أي شخص وراءهم، بل أيضًا ضمان المشاركة الكاملة لجميع فئات المجتمع لتحقيق تغيير إيجابي طويل الأمد.
إنَّ الطريق نحو مستقبل مستدام ليس سهلاً أو ورديًّا. فالنساء غالبًا ما يكنَّ من بين الأكثر عرضة لصعوبات التغيير. لا تزال النساء في القوى العاملة تعاني من التفاوت في الأجور، وأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، ومحدودية الوصول إلى الموارد، والتحيزات الجندرية في مختلف القطاعات، والتمثيل الناقص في مناصب صنع القرار، والعوائق أمام ريادة الأعمال، بالإضافة إلى العديد من التحديات الأخرى. في قطاع الطاقة المتجددة تحديداً، تكون الفوارق أكثر وضوحاً. على سبيل المثال، على الرغم من وجود أدلة تشير إلى أن 62 امرأة مقابل كل 100 رجل حول العالم يمتلكون المهارات والخبرات المتعلقة بالاستدامة البيئية والطاقة المتجددة - المعروفة بـ"المواهب الخضراء" – إلا أن النساء تظل ممثلات بشكل غير كافٍ في القوى العاملة في قطاع الطاقة، حيث يشغلن فقط 32 في المئة من الأدوار في قطاع الطاقة المتجددة. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ 11 في المئة فقط من النساء هن من المؤسِّسات لشركات في قطاع الطاقة.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا تزال النساء ممثَّلات بشكل غير كافٍ في معظم المجالات الأساسية للانتقال الأخضر. على سبيل المثال، تتراوح مشاركتهن في قطاع الطاقة المتجددة بين 7 و9 في المئة فقط، وهي نسبة أقل بكثير من المتوسط العالمي المنخفض أصلًا والذي يبلغ 32 في المئة. علاوة على ذلك، من بين 400,000 وظيفة يُقدر أنها ستُولد كجزء من الانتقال الأخضر في المنطقة العربية تحديداً، من المتوقع أن تستهدف فقط 10 في المئة من النساء. هذه الأرقام الصارخة تؤكد أنَّ النساء لا يتم تضمينهن بشكل متساوٍفي عملية الانتقال الشاملة، مما يعيق مشاركتهن الفعالة في برامج التنمية المستدامة ويحد بشكل كبير من فرصهن المستقبلية في مجال الطاقة المتجددة.
في المعهد العربي للمرأة (AiW) في الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) ، يرتكز عملنا على عدد كبير من الموضوعات التي تركز على قضايا المرأة، والتي تتم معالجتها من خلال الأبحاث والمبادرات التوعوية. وبالنظر إلى الطبيعة المتعددة التخصصات والمتنوعة لأنشطتنا، فإنَّ مفهوم "الانتقال العادل" يتماشى بشكل طبيعي مع مجال تركيزنا، حيث يتوافق بشكل وثيق مع رؤيتنا الطويلة الأمد للتنمية الشاملة والعادلة والمستدامة. لذا، نتطلع إلى بدء محادثات جديدة بين الخبراء والعلماء حول النوع الاجتماعي، والطاقة، وتغير المناخ. كما نهدف إلى تشجيع بناء التحالفات وإطلاق مبادرات جديدة لزيادة الوعي حول الاستدامة البيئية والمساواة بين الجنسين في لبنان والمنطقة الأوسع.
إنَّ التزامنا ينعكس من خلال المبادرات العملية التي قام بها المعهد مؤخرًا ، مثل المناقشات والجلسات والفعاليات التي تعزز الحوار والشراكات بين مختلف المنظمات والأفراد العاملين عند تقاطع المساواة بين الجنسين وتغير المناخ. خلال حملة الـ 16 يوما من النشاط ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي، استضفنا جلسة بعنوان "المساواة البيئية في المنطقة العربية"، ومسابقة فنية بالشراكة مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا). كما نظمنا ندوة عبر الإنترنت حول "النوع الاجتماعي والبيئة"، وندوة بالتعاون مع الاتحاد العام الأرمني الخيري في يوم المرأة العالمي حول "تعزيز الحوار بين الأجيال والشراكة في المساواة بين الجنسين وتغير المناخ"، وتعاوننا مع المنظمة غير الحكومية "أحلى فوضى"، كجزء من مبادرة "سباقات TEDx: فنانون من أجل المناخ"، لعرض فنانين لبنانيين في مجموعة عالمية من الرسوم التوضيحية الرقمية التي تعالج قضايا المناخ. كما عملنا عن كثب على الأنشطة البحثية والتوعوية مع أعضاء هيئة التدريس والموظفين والطلاب في الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU)، الذين يظهرون اهتمامًا متزايدًا بقضايا التحديات والفرص التي تواجه النساء في عملية الانتقال العادل.
الآن أكثر من أي وقت مضى، نحن في المعهد العربي للمرأة (AiW) ملتزمون بتسهيل إعادة هيكلة عادلة لواقعنا الاجتماعي والاقتصادي. يتضمن ذلك ضمان شمول جميع الأفراد في عملية التنمية المستدامة. العمل عن كثب مع منظمات مثل معهد حوكمة الموارد الطبيعية (NRGI) هو واحد من الطرق العديدة التي نسعى من خلالها لإحداث تغيير دائم، رغم التحديات العديدة التي نواجهها.
فحصرًا من خلال الاعتراف بالتحديات التي تواجهها النساء يمكن للجهات الحكومية وغير الحكومية تطوير خطط عمل مستهدفة تفتح فرصًا جديدة لمشاركة أكثر عدلاً. وبدلاً من ترديد مخاوف النساء خلف الأبواب المغلقة، يجب علينا، كباحثين ونشطاء، أن نقوم بتشكيل مجموعات ضغط وطنية وعابرة للحدود للتعامل مع السلطات المعنية وضمان إيصال أصواتنا ومعالجة مخاوفنا. ولكي يكون الانتقال عادلاً من حيث النوع الاجتماعي حقاً، نقترح التوصيات الرئيسية التالية:
- اتخاذ القرارات بشكل شامل. يجب على الحكومات ضمان أن تكون للنساء مقاعد على طاولة صنع القرار وتوفير الفرص اللازمة للمشاركة الكاملة والنشطة داخل مجتمعاتهن، خاصة في الجنوب العالمي.
- عدالة إعادة التوزيع. لتجنب فخ الظلم، يجب على الحكومات والمنظمات الدولية تنفيذ عملية اعادة توزيع عادلة تخصّص الموارد والفرص بشكل منصف بين أفراد المجتمع، مع إعطاء الأولوية للبرامج التي تفيد النساء بشكل خاص.
- فرص التعليم والتوظيف. يجب على المؤسسات التعليمية، بالتعاون مع أصحاب المصلحة من الحكومة والقطاع الخاص، تشجيع النساء بشكل نشط على التخصص في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) ومزاولة مهن في هذه المجالات لضمان الفرص الوظيفية، نظرًا لأن المهن التقليدية قد تتأثر سلبًا أو حتى تُلغى تمامًا كجزء من الانتقال. ومن خلال خلق المزيد من الفرص وأنظمة الدعم للنساء في هذه المجالات، يمكننا استغلال مواهبهن ومساهماتهن لمواجهة تحديات المستقبل.
- إزالة الحواجز الهيكلية. يجب على الحكومات وأصحاب المصلحة المعنيين في قطاع الطاقة المتجددة اتخاذ تدابير استباقية لإزالة العوائق الهيكلية ومعالجة المعايير الجندرية النمطية لضمان مشاركة النساء بشكل فعال كعاملات تغيير في قطاعات الطاقة المتجددة.
- التعاون بين القطاعات. يجب على أصحاب المصلحة في جميع القطاعات، بما في ذلك الوكالات الحكومية والأكاديمية والمنظمات غير الحكومية، التعاون لأغراض البحث وجمع البيانات للتغلب على نقص البيانات في سياقنا المحلي.
تعمل هذه التوصيات، إلى جانب غيرها، كخارطة طريق لتسهيل وتحقيق عملية الانتقال العادل نحو مستقبل مستدام، أخضر ومتكافئ بين الجنسين للجميع.